فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {والعصر}
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه يعني: الدهر وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال يعني: صلاة العصر وذلك أن أبا بكر لما أسلم قالوا: خَسِرْتَ يا أبا بكر حين تركت دين أبيك، فقال أبو بكر: ليس الخسارة في قبول الحق إنما الخسارة في عبادة الأوثان التي لا تسمع ولا تبصر ولا تغني عنكم فنزل جبريل عليه السلام بهذه الآية (والعصر).
أقسم الله تعالى بصلاة العصر {إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ} يعني: أن الكافر لفي خسارة وروي عن محمد بن كعب القرظي أنه قال: {إن الإنسان لفي خسر} يعني: الناس كلهم ثم استثنى فقال عز وجل: {إِلاَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} فإنهم غير منقوصين قال القتبي الخسر النقصان إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجرٌ غير منقوص كما قال الله تعالى: {ثم رددناه أسفل سافلين إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ ممنون} يعني: يكتب لهم ثواب عملهم وإن ضعفوا عن العمل قال الزجاج إن الإنسان أراد به الناس والخسران واحد ومعناه إن الإنسان الكافر والعاملين بغير طاعة الله تعالى لفي خسر وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قرأ (والعصر ونوايب الدهر إن الإنسان لفي خسر وإنه لفي لعنة إلى آخر الدهر) ويقال أقسم الله تعالى بخالق الدهر إن الإنسان لفي خسر يعني: أبا جهل والوليد بن المغيرة ومن كان في مثل حالهما ثم استثنى المؤمنين فقال: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} يعني: أبا بكر وعمر وعثمان وعليًا رضوان الله تعالى عليهم أجمعين {وَتَوَاصَوْاْ بالحق} يعني: تحاثوا على القرآن يعني: يُرَغِّبون في الإيمان بالقرآن والأعمال الصالحة {وَتَوَاصَوْاْ بالصبر} يعني: تحاثوا على الصبر على عبادة الله تعالى وعلى الشدائد فيرغبون الناس على ذلك ويقال بالصبر على المكاره فإن الجنة حفت بالمكاره والله تعالى أعلم بالصواب. اهـ.

.قال الثعلبي:

سورة العصر:
{والعصر}
قال ابن عباس: والدهر. ابن كيسان: الليل والنهار ويقال لهما: العصران وللغداة والعشي أيضًا: عصران.
قال حميد بن ثور:
ولن يلبث العصران يوم وليلة ** إذا طلبا أن يُدركا ما تيمما

الحسن: بعد زوال الشمس إلى غروبها. قتادة: آخر ساعة من ساعات النهار. مقاتل: صلاة العصر وهي الوسطى.
{إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} فإنّهم ليسوا في خُسر.
{وَتَوَاصَوْاْ} وتحاثّوا وأوصى بعضهم بعضًا.
{بالحق} بالقرآن عن الحسن وقتادة. مقاتل: بالإيمان والتوحيد.
وقيل: على العمل بالحق.
{وَتَوَاصَوْاْ بالصبر} على أداء الفرائض وإقامة أمر اللّه، وروى ابن عون عن إبراهيم قال: أراد أن الإنسان إذا عمّر في الدنيا وهرم لفي نقص وضعف وتراجع إلاّ المؤمنين فإنّهم يكتب لهم أجورهم والمحاسن التي كانوا يعملونها في حال شبابهم وقوّتهم وصحّتهم، وهي مثل قوله سبحانه: {لَقَدْ خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أسفل سافلين إِلاَّ الذين آمَنُواْ} الآية [التين: 4-6] قال: كان علي رضي الله عنه يقرأ ذلك: (إِنَّ الإنسان لَفِي خُسْر وإنه فيه إلى آخر الدهر)، وكذلك هي في قراءة ابن مسعود، وكان على يقرأها: (والعصر، ونوائب الدهر، إن الإنسان لفي خسر، وإنّه فيه إلى آخر الدهر).
والقراءة الصحيحة ما عليه العامّة والمصاحف.
أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي بن محمد بن حمدان الخطيب قراءة عليه في رجب سنة ست وثمانين وثلاثمائة قال: حدّثنا أبو حامد أحمد بن محمد بن دُلان قال: أخبرنا القاضي منصور بن محمد قال: حدّثنا محمد بن أحمد البزاز قال: حدّثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن داود بن سليمان الدينوري قال: حدّثنا علي بن إسماعيل قال: حدّثنا الحسن بن علقمة قال: حدّثنا سباط بن محمد عن القاسم بن رفيعة عن أبي أمامة عن أُبيّ بن كعب قال: «قرأت على رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم والعصر فقلت: بأبي وأُمّي يا رسول اللّه وما تفسيرها؟ فقال: {والعصر} قسمٌ من اللّه أقسم لكم بآخر النهار.
{إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ} قال: أبو جهل بن هشام. {إِلاَّ الذين آمَنُواْ} أبو بكر الصديق {وَعَمِلُواْ الصالحات}. عمر بن الخطّاب {وَتَوَاصَوْاْ بالحق} عثمان بن عفّان. {وَتَوَاصَوْاْ بالصبر} علي بن أبي طالب»
.
وأخبرنا عبد الخالق بن علي قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن يوسف بن حاتم بن نضر قال: حدّثنا الحسن بن عثمان قال: حدّثنا أبو هشام محمد بن يزيد بن رفاعة قال: حدّثنا عمّي علي بن رفاعة عن أبيه رفاعة قال: حججت فوافيت علي بن عبد اللّه بن عباس يخطب على منبر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقرأ: {بسم الله الرحمن الرحيم والعصر إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ} أبو جهل ابن هشام {إِلاَّ الذين آمَنُواْ} أبو بكر الصديق {وَعَمِلُواْ الصالحات} عمر بن الخطّاب {وَتَوَاصَوْاْ بالحق} عثمان بن عفّان {وَتَوَاصَوْاْ بالصبر} علي بن أبي طالب. اهـ.

.قال الزمخشري:

سورة العصر:
مكية.
وآياتها 3.
نزلت بعد الشرح.
بسم الله الرحمن الرحيم

.[سورة العصر: الآيات 1- 3]

{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإنسان لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}
أقسم بصلاة العصر لفضلها، بدليل قوله تعالى: {وَالصَّلاةِ الْوُسْطى} صلاة العصر، في مصحف حفصة. وقوله عليه الصلاة والسلام «من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله» ولأنّ التكليف في أدائها أشق لتهافت الناس في تجاراتهم ومكاسبهم آخر النهار، واشتغالهم بمعايشهم.
أو أقسم بالعشي كما أقسم بالضحى لما فيهما جميعا من دلائل القدرة. أو أقسم بالزمان لما في مروره من أصناف العجائب. والإنسان: للجنس. والخسر: الخسران، كما قيل: الكفر في الكفران. والمعنى: أن الناس في خسران من تجارتهم إلا الصالحين وحدهم، لأنهم اشتروا الآخرة بالدنيا، فربحوا وسعدوا، ومن عداهم تجروا خلاف تجارتهم، فوقعوا في الخسارة والشقاوة {وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ} بالأمر الثابت الذي لا يسوغ إنكاره، وهو الخير كله: من توحيد اللّه وطاعته، واتباع كتبه ورسله، والزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة {وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ} عن المعاصي وعلى الطاعات، وعلى ما يبلو اللّه به عباده.
عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة والعصر غفر اللّه له وكان ممن تواصى بالحق وتواصى بالصبر». اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {والعَصْرِ}
وهذا قَسَمٌ، فيه قولان:
أحدهما: أن العصر الدهر، قاله ابن عباس وزيد بن أسلم.
الثاني: أنه العشي ما بين زوال الشمس وغروبها، قاله الحسن وقتادة، ومنه قول الشاعر:
تَرَوّحْ بنا يا عمرُو قد قصر العَصْرُ ** وفي الرَّوْحةِ الأولى الغنيمةُ والأَجْرُ

وخصه بالقسم لأن فيه خواتيم الأعمال.
ويحتمل ثالثًا: أن يريد عصر الرسول صلى الله عليه وسلم لفضله بتجديد النبوة فيه.
وفيه رابع: أنه أراد صلاة العصر، وهي الصلاة الوسطى، لأنها أفضل الصلوات، قاله مقاتل.
{إنّ الإنسان لَفي خُسْر} يعني بالإنسان جنس الناس.
وفي الخسر أربعة أوجه:
أحدها: لفي هلاك، قاله السدي.
الثاني: لفي شر، قاله زيد بن أسلم.
الثالث: لفي نقص، قاله ابن شجرة.
الرابع: لفي عقوبة، ومنه قوله تعالى: {وكان عاقبة أمرها خُسْرًا} وكان علي رضي الله عنه يقرؤها: والعصر ونوائب الدهر إنّ الإنسان لفي خُسْرِ وإنه فيه إلى آخر الدهر.
{إلا الذين آمنوا وعَمِلوا الصّالحاتِ وتَواصَوْا بالحَقِّ} في الحق ثلاثة تأويلات:
أحدها: أنه التوحيد، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: أنه القرآن، قاله قتادة.
الثالث: أنه الله، قاله السدي.
ويحتمل رابعًا: أن يوصي مُخَلَّفيه عند حضور المنية ألا يمُوتنَّ إلا وهم مسلمون.
{وتَوَاصوا بالصَّبْر} فيه وجهان:
أحدهما: على طاعة الله، قاله قتادة.
الثاني: على ما افترض الله، قاله هشام بن حسان.
ويحتمل تأويلًا ثالثًا: بالصبر عن المحارم واتباع الشهوات. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَالْعَصْرِ (1)}
قال ابن عباس: {العصر}: الدهر، يقال فيه عصر وعصر بضم العين والصاد، وقال أمرؤ القيس:
وهل يعمن من كان في العصر الخالي

وقال قتادة: {العصر} العشي، وقال ابي بن كعب: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن العصر فقال: «أقسم ربكم بآخر النهار»، وقال بعض العلماء: وذكره أبو على {العصر}: اليوم، {والعصر} الليلة ومنه قول حميد: الطويل:
ولن يلبث العصران يوم وليلة ** إذا طلبا أن يدركا ما تيمما

وقال بعض العلماء: {العصر}: بكرة والعصر: عشية وهما الأبردان، وقال مقاتل: {العصر} هي الصلاة الوسطى أقسم بها، و{الإنسان} اسم الجنس، و(الخسر): النقصان وسوء الحال، وذلك بين غاية البيان في الكافر لأنه خسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين، وأما المؤمن وإن كان في خسر دنياه في هرمه وما يقاسيه من شقاء هذه الدار فذلك معفو عنه في جنب فلاحه في الآخرة وربحه الذي لا يفنى، ومن كان في مدة عمره في التواصي بالحق والصبر والعمل بحسب الوصاة فلا خسر معه، وقد جمع له الخير كله.
وقرأ علي بن أبي طالب: «والعصر ونوائب الدهر إن الإنسان»، وفي مصحف عبد الله: {والعصر لقد خلقنا الإنسان في خسر}، وروي عن علي بن أبي طالب أنه قرأ {إن الإنسان لفي خسر وإنه فيه إلى آخر الدهر إلا الذين}.
وقرأ عاصم والأعرج: {لفي خسُر} بضم السين.
وقرأ سلام أبو المنذر: {والعصِر} بكسر الصاد {وبالصبٍر} بكسر الباء، وهذا لا يجوز إلا في الوقف على نقل الحركة، وروي عن أبي عمرو: {بالصبِر} بكسر الباء إشمامًا، وهذا أيضًا لا يكون إلا في الوقف. نجز تفسير سورة {العصر}. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {والعصر} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه الدهر، قاله ابن عباس، وزيد بن أسلم، والفراء، وابن قتيبة.
وإنما أقسم بالدهر لأن فيه عبرة للناظر من مرور الليل والنهار على تقدير لا ينخرم.
والثاني: أنه العشي، وهو ما بين زوال الشمس وغروبها، قاله الحسن وقتادة.
والثالث: صلاة العصر، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {إن الإنسان لفي خسر} قال الزجاج: هو جواب القسم.
والإنسان هاهنا بمعنى الناس، كما تقول: كثر الدرهم في أيدي الناس، تريد الدراهم.
والخسر والخسران في معنى واحد.
قال أهل المعاني: الخسر: هلاك رأس المال أو نقصه.
فالإنسان إذا لم يستعمل نفسه فيما يوجب له الربح الدائم، فهو في خسران، لأنه عمل في إهلاك نفسه، وهما أكبر رأس ماله {إلا الذين آمنوا} أي: صدَّقوا الله ورسوله، وعملوا بالطاعة {وتَواصَوْا بالحق} أي: بالتوحيد، والقرآن، واتباع الرسول {وتواصَوْا بالصبر} على طاعة الله، والقيام بشريعته.
وقال إبراهيم في تفسير هذه السورة: إن الإنسان إذا عُمِّر في الدنيا لفي نقص وضعف، إلا المؤمنين، فإنهم يكتب لهم أجور أعمالهم التي كانوا يعملون في شبابهم وصحتهم. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَالْعَصْرِ (1)} فيه مسألتان:
الأولى:
قوله تعالى: {والعصر} أي الدهر؛ قاله ابن عباس وغيره.
فالعصر مِثل الدهر؛ ومنه قول الشاعر:
سَبيلُ الهَوَى وَعْرٌ وبحرُ الهَوَى غَمْرُ ** ويَوْمُ الهَوَى شَهْر وشهْرُ الهَوى دَهْرُ

أيّ عصرٍ أقسم الله به عز وجلّ؛ لما فيه من التنبيه بتصرف الأحوال وتبدّلها، وما فيها من الدلالة على الصانع.
وقيل: العصر: الليل والنهار.
قال حُميد بن ثور:
ولَنْ يَلْبَثَ العَصْرانِ يَومٌ وَليلةٌ ** إذا طَلبا أَنْ يُدرِكا ما تَيَمَّمَا

والعصران أيضًا: الغداة والعشيّ.
قال:
وأَمْطُلَه العَصْرين حتى يَمَلّني ** ويرضى بِنِصفِ الدَّينِ والأنْفُ راغِمُ

يقول: إذا جاءني أوّل النهار وعدته آخره.
وقيل: إنه العشيّ، وهو ما بين زوال الشمس وغروبها؛ قاله الحسن وقتادة.
ومنه قول الشاعر:
تَرَوَّحْ بِنا يا عمرُو قَدْ قَصُرَ العَصْرُ ** وفي الرَّوْحةِ الأولى الغنيمة والأَجْرُ

وعن قتادة أيضًا: هو آخر ساعة من ساعات النهار.
وقيل: هو قَسَم بصلاة العصر، وهي الوسطى؛ لأنها أفضل الصلوات؛ قاله مقاتل.
يقال: أُذِّن للعصر؛ أي لصلاة العصر.
وصُلِّيت العصر؛ أي صلاة العصر.
وفي الخبر الصحيح: «الصلاةُ الوسْطَى: صلاة العصر» وقد مضى في سورة (البقرة) بيانه.
وقيل: هو قسم بعصر النبيّ صلى الله عليه وسلم، لفضله بتجديد النبوّة فيه.
وقيل: معناه ورب العصر.
الثانية: قال مالك: من حلَف ألاّ يكلم رجلًا عَصْرًا: لم يكلمه سنة.
قال ابن العربيّ: إنما حمل مالك يمينَ الحالف ألا يكلم أمرأ عصرًا على السنة؛ لأنه أكثر ما قيل فيه، وذلك على أصله في تغليظ المعنى في الأيمان.
وقال الشافعيّ: يَبَرُّ بساعة، إلا أن تكون له نية، وبه أقول؛ إلا أن يكون الحالف عربيًا، فيقال له: ما أردت؟ فإذا فسره بما يحتمله قُبِل منه، إلا أن يكون الأقل، ويجيء على مذهب مالك أن يحمل على ما يفسر. والله أعلم.
{إِنَّ الإنسان لَفِي خُسْرٍ (2)}
هذا جواب القسم. والمراد به الكافر؛ قاله ابن عباس في رواية أبي صالح.
وروى الضحاك عنه قال: يريد جماعة من المشركين: الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العُزَّي، والأسود بن عبد يغوث.
وقيل: يعني بالإنسان جنس الناس.
{لَفِى خُسْرٍ}: لفي غَبْن، وقال الأخفش: هَلَكَةٍ، الفرّاء: عقوبة؛ ومنه قوله تعالى: {وَكَانَ عَاقِبَةُ أمرهَا خُسْرًا} [الطلاق: 9]. ابن زيد: لفي شر.
وقيل: لفي نقص؛ المعنى متقارب. وروي عن سلام {والعصِر} بكسر الصاد.
وقرأ الأعرج وطلحة وعيسى الثقفِيّ {خُسْرٍ} بضم السين، وروى ذلك هارون عن أبي بكر عن عاصم. والوجه فيهما الاتباع.
ويقال: خُسْر وخُسُر؛ مثل عُسْر وعُسُر، وكان على يقرؤها {والْعَصْرِ ونَوائِب الدَّهْر إنّ الإنسان لفي خُسْر وإنه فيه إلى آخر الدهر}.
وقال إبراهيم: إن الإنسان إذا عُمِّرَ في الدنيا وهَرِم، لفي نقص وضعف وتراجع؛ إلا المؤمنين، فإنهم تكتب لهم أجورهم التي كانوا يعملونها في حال شبابهم؛ نظيره قوله تعالى: {لَقَدْ خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أسفل سافلين} [التين: 4 5].
قال: وقراءتنا {والعصْرِ إنَّ الإنسان لَفِي خُسْرٍ وإنَّهُ في آخر الدهر}. والصحيح ما عليه الأمة والمصاحف. وقد مضى الردّ في مقدّمة الكتاب على من خالف مصحف عثمان، وأن ذلك ليس بقرآن يتلى؛ فتأمّله هناك.
قوله تعالى: {إِلاَّ الذين آمَنُواْ} استثناء من الإنسان؛ إذ هو بمعنى الناس على الصحيح. قوله تعالى: {وَعَمِلُواْ الصالحات} أي أدَّوا الفرائض المفترضة عليهم؛ وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبيّ بن كعب: «قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم: {والعصر} ثم قلت: ما تفسيرها يا نبي الله؟ قال: {والعَصْر} قَسَم من الله، أقسم ربكم بآخر النهار: {إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ}: أبو جهل {إِلاَّ الذين آمَنُواْ}: أبو بكر، {وَعَمِلُواْ الصالحات} عمر. {وَتَوَاصَوْاْ بالحق} عثمان {وَتَوَاصَوْاْ بالصبر} علي» رضي الله عنهم أجمعين.
وهكذا خطب ابن عباس على المنبر موقوفًا عليه. ومعنى {وَتَوَاصَوْاْ} أي تحابُّوا؛ أوصى بعضهم بعضًا، وحث بعضهم بعضًا.
{بالحق} أي بالتوحيد؛ كذا روى الضحاك عن ابن عباس.
قال قتادة: {بِالحقِّ} أي بالقرآن.
وقال السدّي؛ الحق هنا هو الله عز وجل.
{وَتَوَاصَوْاْ بالصبر} على طاعة الله عز وجل، والصبر عن معاصيه. وقد تقدم. والله أعلم. اهـ.